…كانت شكوة الحليب معلقة بجانب أحد الجمال ينبعث منها
صوتا جميــلا مع اقاع مشية البعير كأنه دقات طبل منتظمـــة
ومع آخر الظهيرة حطت القافلة رحالها بأرض حمراء اللـــون
بها ربى خضراء جميلة وشرع كل في تنفيذ الأعمال المنوطـة
به فمنهم من يعجن الدقيق لخبز الملة ومنهم من يبني الخيمـــة
ومنهم من يحتطب ومنهم من يحضر الشاي ومنهم من ذهـــب
الى الراوية مصحوبا بجمل ومجموعة من القرب لجلب الماء
وما هي الا مدة قليلة من الزمن حتى أصبح الغداء جاهزا أما
النائم فتقدم مع قطه ليأكلا خبز الملة وترشف الشاي وتنــاول
التمر واللبن القط لم يأكل لأنه شبعان حيث اصطاد جربوعة
وفأرا فأكلهما وصلى القوم صلاة الظهيرة أما الغنم فساحـــت
بحثا عن الكلأ في كل اتجاه تحت رعاية البنات الصغار أمــا
النائــم وقطه راحا يجوبان الأنحاء ليكتشفا الوسط الجديــد
تارة يمشي وطورا يجري ويجري وراءه قطه وبعد أوبتـــــه
بادرته خالته الصغري بصوت فيه شيء من العنف فرمى في
وجهها قطه الذي ترك خدودها محروثة بأظافره والدم منهــا
يسيل فشكته الى جدته التي أنبته وسوت الوضعية بينهما علـي
ألآ يعود لمثل هذا العمل المشين ومرت أيام والنائم يرتـــــــع
ويلعب يقضي جل وقته في صيد الطيور والفئران والجرابعـة
وأثناء تجواله وجد بطرية مصباح كهربائي فاحتفظ بها وبعــد
أن تناول أفراد الأسرة وجبة العشاء جلسوا للسمر في شكـــــل
حلقة حول مجمرة الشاي وخلسة وضع النائم البطارية تحــت
الجمر دون أن يتفطن اليه الحاضرون وابتعد وبعد مدة مـــــن
الزمن انفجرت وتطاير الجمر في كل اتجاه وكانت احـــــــدى
خالات النائم فمها مفتوحا فدخلت جمرة في فيها واحتـــرـق
لسانها فبقيت مدة لا تنطق حرف الراء فجعل النائم منها مـادة
خام لمسخراته وألاعيبه وكل من أفراد الأسرة نال نصيبــــه
من الحروق البسيطة أما هو فكان نصيبه من ذلك كثــــــــرة
الضحك الى أن كاد يغمى عليه لولى أن عالجه خاله بلطمـــــة
أسكتته وقال له: ما أبردك بوجه أنت تضحك ونحن نحتــــرق
وبعد أن هدأ الروع أخذ كل واحد من أفراد الأسرة يعطــــــي
تعليلا لما حدث فمنهم من قال: انها قنبلة ضعيفة المفعـــــــول
أفسدتها مياه الأمطار ومنهم من قال : ان هذه مسكونه مــــــن
طرف الجان والشياطين يجب أن نغير المكان …الا النائــــــم
فلم يدل برأيه لكونه لا زال غارقا في البكاء واستسلم للنـــــوم
حتى الصباح الباكر استيقظ أفراد الأسرة على أزيز طائرتيــن
حربيتين على علو منخفض تحومان فوق الخيمة فصمـــــــت
الآذان وعم الهلع والخوف والذعر وهرب قطيع الغنم في كـل
اتجاه أما أحد الجمال فارتطم بالخيمة حتى كاد يبرك على مـن
فيها لولى رعاية الله وحفظه لهلكوا وما هي الا لحظات حتـي
لحقت مجموعة من الشاحنات والسيارات محملة بعدد هائــــل
من العساكرالفرنسية أكثرهم الحركة وأحاطوا بالخيمة من كل
جانب وفتشوها وقالوا للجد: أين الفلاقة ..أين لثوار فقال الجـد
نحن لا نعرفهم فقال أحد الحركة : تكذب يا رخيس ولم يتمالـك
النائم نفسه من شدة الغضب ورمى بقطه الأسود في وجه ذلـك
الحركي الذي تم حرثه بالمخالب وأخذ الدم منه يسيل بغزارة
فغضب الحركي وجري وراء النائم ليمسك به ولما لم يستطـع
أراد أن يطلق عليه النار فعثر الحركي على الأرض حيـــث
رجله علقت بأحد الأوتاد التى كانت تشد الخيمة وكسر مـــن
الفخذ ونقل من المراح محمولا ذلك الخبيث الدعي لا شفــاه
الله وقالوا للجد قبل انقشاعهم اذا رأيتم أو جاءوكم الفلاقــــــة
أخبرونا ولكم منا هدايا معتبرة من الدقيق والزيت والملابـــس
فسمعت الجد يقول بعد أن ولوا مدبرين: طريق السد الا تـــدي
وما ترد وأخذ يعوذ منهم ومن الشيطان الرجيم وفي الليـــــــل
وأثناء السمر وتناول الشاي اختلى الجد بولده الكبير وأخــــذا
يتحدثان حديث خافت غير مفهوم وغير مسموع فاقترب منهم
النائم يتحسس ماذا يقولون فسمع كلمة الثورة والثوار فذهـــب
جريا لجدته ونقل لها ما سمعه من جده وخاله فلحق به خالــــه
وقال: لابد من ذبح هذا المجرم الصغير انه بيوع سوف يبيعنا
وينقل أخبارنا الى العساكر ويقتلوننا كلنا يجب أن نضحــــــي
بواحد خير من أن نخسر جما عة فشفعت جدته فيه وأوصتــه
بعدم التقرب من الكبار عند ما يكونوا يتحدثون وحدهم فقــال
الجد لابنه الأكبر سامحه ان هذا الطفل مجاهدا حقا أما رأيــت
ما فعله بالحركي أي صحيح انه خلصنا منه بقطه المجاهـــد
وقال الجد للنائم: افعل ما شئت اني غفرت لك ففرح النائــــــم
وقال : حتى واقعة البطرية فقال الجد أأنت صاحب تلــــــــــك
المصيبة النابعة من الأرض البارحة فقال النائم: نعم أنا ومـــا
كنت أعرف أنها خطيرة فقال الجد سامحناك ولا تعود الى مــا
يضرك ويضر الغير…………قال النائم: خذني يا جدي معـك
غدا الى البلدة لأرى أمي وأبي واخوتي وأطفال حينا لألعــــب
معهم انه لا يوجد عندكم أطفال صغار ألعب معهم فأنتم كلكــم
كبار وأنا وحدي صغير وخالي يريد أن يذبحني فان لم يذبحني
اليوم فغدا وان لم يكن فبعد الغد…. جـدي لم أعد أفــــــضل
البقاء بينكم فقال الجد : لا تخف انه لن يفعل قال النائم : خالي
عنده سكين يلازمه في حزامه ولا يفارقه أبدا وانه ما قــــــال
الا ليفعل ويطعم الذئاب من لحمي الطري الشهي فقال الجـــــد
غدا أرسلك مع خالك الى أهلك فقال النائم : سوف لن أذهــــب
معه أبدا أنه يذبحني في الطريق فقال الجد طيب طيب معـــي
لا مع خالك سأوصلك بنفسي فأخبر جدته فهيأت له شكـــــوة
كبيرة مملوءة لبنا وقالت له: سلم على أمك وقل لها اننا كلنــــا
بخير وعد الينا مرة أخرى فقال لن أعود أبدا حفاظا علــــــــى
نفسي من الموت فقالت ومن عندنا سيذبحك قال: أنسيتي ماذا
قال خالي البارحة… فقالت هيا اسكت كفاك مسخرة…..
وفي الغد الباكر بعد صلاة الصبح وبعد تناول الفطور ودع
الطفل جدته وخالاته الا خاله لم يسلم عليه… فقالت الجـــــدة
للخال: أرأيت فعلتك مع الطفل ابن أختك الكبرى ماذا يقول
لها عندما يرجع اليها خائفا فقال الخال: لا شيء انه طفـــــــل
صغير جعل من الحبة قبة وأنه سوف ينسى قالت الجدة: انـــه
ليس من النوع الذي ينسى حاول أن تصلح الوضع معه قبــــل
أن يرحل عنا فنادى الخال النائم ابن أخته فلم يجئه فذهــــــــب
الخال اليه فهرب الطفل فجرى وراءه وأمسكه وضمه اليــــــه
وبكى الخال والطفل معا وأبكوا جميع أفراد الأسرة وحتـــــــى
الجد فوقع التسامح وكأن لم يكن شيء وقال الطفل لخالـه لا
تقل يا خالي مرة أخرى أذبحك….ركب الجد حماره الأشهــب
وأردف ابن ابنته وراءه رفقة قطه الأسود وشكوة اللبن واتجها
نحو البلدة وكلما رأى القط جربوعا انطلق كالسهم من يـــــــد
صاحبه ويأتي به حيا فيمسكه النائم ويربطه من رجليه بخيـط
ويضعه في الخرج وهكذا في كل مرة الى أن أضحى لكـــل
فرد من أفراد الأسرة عشرة جرابيع فأراد القط المزيد فلم
يرغب النائم في الزيادة وقال لقطه: ان المبذرين كانوا اخوان
الشياطين فيجب ألآ نبذر وألآ نسرف وما هي الا ساعــــات
حتى وقف الحمار أمام الدار ونزل الجد وقرع الباب ودخـل
فرأى الطفل أمه فلصق بها يقبل يديها ورأسها وسلم علـــــى
اخوته الصغار وجدته لأبيه وسأل عن أبيه فقيل له : انه فــي
الغابة فأعطى شكوة اللبن لأمه وعدد هائل من الجرابعــــــة
أحياء ففرح بذلك أفراد الأسرة وقال: ان الفضل يرجـــــــع
للقط هو الذي اصطاد وأنا يرجع الي فضل الوثاق ولجـــدي
فضل الحمالة فقالت الأم لقد أصبح لسانك ما شاء الله حـادا
فقال الجد: الفضل في ذلك للبادية وهوائها النقي فقالت الأم :
للجد: كيف كانت عشرتكم مع هذا المخلوق ماذا فعل بكــــــم
فقال الجد: كل خير ان شاء الله فقال النائم : أشكرك يا جــدي
فودع الجد الأسرة وقال: سلموا لي على أ بيكم الى اللقأء…
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق