.......حملت به أمه خلال ربيع سنة: 1948 ميلاديــــــــة
ابان الاحتلال الفرنسي للجزائر في الدبدابة بلدة العالية عمالــة
الواحات بالصحراء ... هذا الحمل هو ثاني حمل بعد وفـــــــاة
المولود الأول: عبد الحميد رحمه الله اثر فقدان حليــــب الأم
نتيجة المرض وسوء التغذية والعمل الدائم والـــــــــــــــدؤوب
والمضني والمتمثل في تربية الدواجن من حمام ودجــــــــــاج
وماعز.. وطحن للقمح يوميا لتوفير الخبز الأسمر والكسكـس
كما تعمل الأم على جلب الماء من بئر تتصدر مدخل المسكـن المصنوع من مواد محلية تتمثل في الطين والحجر بواسطــــة
حبل مصنوع من شعر الماعز ربط في ذيله سطل نحاســــــي
يزن فارغا 15كلغ وما ان تخرجه الأم من البئر مملوءابالماء
المالح ذات العمق الطويل حتى ترى النجوم في عز الظهيـــرة
وتكاد تفقد وعيها في غالب الأحيان...ومن بين الأعمـــــــــال
الأخرى غسل الصوف بالماء ومسحوق عشبة – البلبال- لأنه
لم يكن الصابون موجودا في ذلك الوقت ثم تعمل على مشطــه
وغردشته وغزله ليصبح جاهزا لعملية النسيج لصنع حاجيات
الأسرة من أغطية وبرانس وغشاشب ويحول الزائد عـــــــن
الحاجة الى السوق... ولم يكن آنذاك كهرباء فكانت الأســـــرة
تستمد حاجتها من الشمع والكاربيل ولم يكن هناك غازلطهي
الأطعمة بل كانوا يعتمدون على نار حطب النخيل من- سعف
جاف وسقاس وكرناف وكشراف وعداف وقنط – وكـــــــان
الغذاء اليومي الخبز الأسمر الذي يؤكل بصحبة الملح فقــــط
وأحيانا بالخل والزيت أما الكسكسي فيؤكل مع الشاي هـــــذا
في غياب اللبن أما التفكه فعادة ما يكون بالتمر ان وجــــــــد
وفي الكثير من الأحيان لا يوجد لا قمح ولا شعير ولا نقــود
فتكون الوجبات اليومية الأسودان فقط : التمر والماء وفــــي
ظل كل هذا أن الأم لا ترى الا زوجها أوأمه أواحدى أخواته
الكبيرات الطاعنة في السن وهي التى لها الضوء الأخضــــر
في حرية التنقل والتجوال بين مساكن الحي القليلة والمتقاربة
الى بعضها البعض والعائمة في بحر من رمال تحوط بهـــــا
من كل جانب ..هذه الأخت الكبيرة هي بمثابة وسيلة اتصال
مرئية ومسموعة في حدود ما تسمح به العادات والتقاليـــــــد
تؤمن بعض الحاجيات والويل لها كل الويل والثبور ان هــي
تحدثت عن الثورة والثوار فهي ستفقد لترا أو لترين من دمها
على اثر الضرب المبرح الذي يعم كامل جسدها..هذا الــــدم
الذي يسقي ثيابها ويصبغا باللون الأحمر القاني والزائـد عـن
الحاجة تمتصه حبيبات الرمل المشتاقة الى كل رطب مبلول
لدفع جفاف أشعة الشمس المحرقة وما على نسوان الحــــــي
الا أن يجدن بديلا فتسمعهن في كثير من الأحيان يتمتمــــــن
بكلام غير مفهوم وهو أنهن يغنين أثنا طحن الحبوب فــــــــي
المطحنة الحجرية بحيث يمتزج الصوت بصوت الرحـــــــي
فتنتج سمفونية جميلة تدخل على السامع بهجة وسرورا يحكين
فيها آلآمهن وأحزانهن....أما الزوج فتراه هو الآخر يعمــــــل
ويكدح خارج البيت لا ينغلق له فم أبدا فتراه يجول ويبحر بين
سور القرءان الكريم يسمع نفسه ويسمعه غيره وتراه يـــــردد
أذكارالطريقة التجانية في الصباح الباكر وقبيل الغروب لــــه
غابة نخيل بها : 16 نخلة من نوع غرس وواحدة من نــــــوع
-علي وراشد- ولود ودود انجرت هذه الغابة للزوج عــــــــن
طريق هبة من والده بمناسبة ختمه للقرءان الكريم مع الحفظ
الجيد حبا متراكبا غلة هذه الغابة من التمر تستهلك من طرف
الأسرة والباقي يحول الى سوق البلدة..وله أيضا قطعة أرض
يفلحها فنتتج خضرا ونعناعا مسقاة بماء متسمد من بئرعمقهــا
:10أمتارعن طريق الجرالفردي ويتطلب ذلك جهدا كبيــــــرا
ومن بين الأدوات المستعملة في اخراج الماء من البئرمايلــــي
الجرارة-الغرابان- العارضتان-الدايتان-المرود-المرار-الاسترمقت الدلو أبو رقبة المصنوع اما من الجلد أوالمطــــاط
مؤخرا ...أما عن حمل الأم فانه فاق أوان الوضع ب أربعــــة
أشهر ولم يرد الخروج الى الدنيا ولم يعرف لذلك سببا ولم
يكن هناك طبيبا في البلدة غير الطب الشعبي والذي وصــــف
لها عدة وصفات تعد بالقنا طير المقنطرة ولم يجد ذلك نفعـــــا
ومن أغرب ما وصف أكل معدة شاة نيئة بمحتواها ففعلـــــت
الأم المسكينة ذلك ولم يجد نفعا وفي الحقيقة المولود فضــــــل
النوم في بطن أمه في ظلمات ثلاث ولم يرد الخروج الـــــــى
الدنيا الدنيئة والمليئة بالألآم والمآسي والأحزان فهو ذكــــــــي
وحق له ذلك ان هم تركوه لسبيله ولم يوقظوه وبقي على هــذه
الحال الىأن صار عمره في بطن أمه ثلاث سنوات وشهريــن
وبعد ان استنفذت كل الطرق من طب شعبي وغيره وبعـــــــد
التداول والتشاور تم الاتفاق بالاجماع على العمل وبسرعــــــة
على نقل الأم الى مستشفى تقرت التى تبعد عن البلدة ب مائــة
وعشر كيلومترات على متن جمل مستأجرمع صاحبه رقــــــة
الزوج ووالد الأم وفعلا تم ذلك في فصل الربيع ومن غرائب
الصدف وبينما كانت الأم على الجمل في هودجها واذا بجمــل
آخر في حالة هيجان يأتي مسرعا فاتحا فاه أسنانه كالتمســــاح
يريد قتال الجمل واشتد بينهما قتال عنيف وأخذ الهودج يميل
ذات اليمين وذات الشمال والأم تصرخ وتستغيث وما هــــي
الا دقائق معدودات حتى انتهت المعركة دون خسائر والحمد
لله لولى العصي التي تهاطلت على رأس الجمل الجانــــــــــي
من طرف المرافقين وما هو الا يوم وساعات حتى حطــــــت
القافلة رحالها أمام مستشفي مدينة تقرت البهجة وتلقت الأم
الفحوصات الطبية وتحصلت على الدواء وعادت القافلة بعـــد
يومين الى بلدة العالية و هرع نسوة الحي يهنئون الأم على
قدومها بالسلامة وذلك بعد أخذ الاذن من أزواجهن وهــــــــو
بمثابة جواز سفر محدود بمدة لأنه من العادات والتقاليد عندهم يحضر خروج المرأة الزوجية من بيت الزوج الا لقبرها هذه
هي الخرجة الثانية أما الخرجة الأولى فهي من بيت الوالدين
الى بيت الزوج وبعد ثلاثة أشهر وضعت الأم مولودها البهي
الطلعة وسموه على بركة الله التجاني تيمنا وتبركا بشيـــــــخ
الطريقة التجانية سيدي أحمد التجاني وفرحوا به فرحا كبيرا
لأنهم في وقتهم ذلك يفضلون الذكور على الاناث ولقد قالتها
السيد مريم العذراء: وليس الذكر كالأنثي... جف حليب الأم
من ثدييها وخصصوا للطفل عنزة شركي شهباء حلوب قامت
مقام الأم...........المزيد يتبع