عندما طرحت مسألة الجنوب و ما رافقها من احداث احتجاج و تظاهر جاء نصب عيني حادثتان تأثرت لهما ايما تأثر , اولاهما حدثت عندما كنت طالبا في الجامعة في اواخر الثمانينات حيث اجتمع الطلبة الوافدون من ولايات الجنوب الجزائري و اتجهوا صوب المجلس الشعبي الوطني رافعين مطالبهم و التي كان من اهمها المطالبة بدعم وزارة التعليم العالي لتذكرة سفر طلبة الجنوب , ذلك ان ظروفهم المادية لا تسمح لهم بالذهاب و الاياب في كل عطلة و لا نقول في كل شهر او شهرين .
و هو مطلب ايدناهم فيه كطلبة من مختلف الولايات و الجهات لأننا كنا نعلم ان الكثير منهم يبقون في الاحياء الجامعية طيلة العطل , اللهم عطلة الصيف . و قد كان الرد وقتها استقدام شرطة مكافحة الشغب و طرد الطلبة المحتجين من امام مقر البرلمان و عدم تبني اي مطلب من مطالبهم بل و لم يجدوا حتى من يقف معهم من نواب الجنوب .
اما الحادثة الثانية , و قد عشتها في الاسابيع الماضية في مستشفى مصطفى باشا بالعاصمة و بالضبط في قسم جراحة الاطفال حيث اجرت صغيرتي عملية جراحية , و قد هالني ما رأيت و عشت , ذلك ان الامهات المرافقات لأطفالهن المرضى لم تخصص لهم اسرة بجوار ابنائهن بل و اضطرني الامر انا و مواطن اخر الى اقتناء كراسي لزوجاتنا لأنهن لم يجدن حتى كرسي بسيط للجلوس عليه .
و المشكلة ليست في مستشفى مصطفى باشا , الذي نحمد الله ان كان افضل تركة من عهد المستعمر هو و غيره من مستشفيات العاصمة و المدن الكبرى و لا في دولتنا التي تملك في خزينتها اكثر من مائتي مليار دولار و لا تفكر في تخفيف الضغط عن هذا المرفق الذي اثر سلبا على سلوك الطاقم الطبي ككل , بل المشكلة في مواطن جاء رفقة زوجته من مدينة حاسي مسعود حيث اجريت ايضا عملية لصغيرهما . المواطن المذكور قدم رفقة زوجته بالطائرة و قد تكفل مثلما تكفلنا بفطور و عشاء زوجته لأكثر من اسبوع , ذلك ان الوجبات المقدمة لا ترقى الى مستوى تحترم فيه الدولة مواطنيها و مرضاها على وجه الخصوص . ثم نزل المواطن المسكين بالفندق طيلة الاسبوع حيث ليس لديه قريب في العاصمة قد يخفف عنه تلك الاعباء .
عندها قلت في نفسي عن الحادثة الاولى ما الذي يضير الوزارة ان تدفع نصف التذكرة لطلبتها في الوقت الذي تخصص منحا للدراسة في الخارج للمحظيين من ابناء المسؤولين و اصحاب النفوذ و قلت في نفسي عن الحادثة الثانية لماذا لا يقام مستشفى او مستشفيان في الجنوب للتخفيف عن مواطنينا و اهلنا هناك و لو تطلب الامر استقدام اطباء جراحين و اختصاصيين اجانب مادام انصاف الجزائريين يترفعون عن الخدمة في الجنوب الذي مهما كان لا تصل قسوة مناخه عن قسوة مناخ دول الخليج و غسل الاواني في بعض مطاعم اوربا ان لم نقل اشياء اخرى .
تهميش الجنوب و التعامل معه على انه مجرد خزان نفطي يدر الكثير من الريع و بالتالي عبارة عن بقرة حلوب يستكثر حتى اطعامها ,هي تقريبا السياسة التي اتبعها و تعامل بها معظم ساستنا , و لعل غياب استراتيجية فاعلة للتنمية و النهوض بالجنوب هو العامل الذي اوصل الامور الى حد الاحتجاجات و المظاهرات و سواد شعور عام لدى سكان الجنوب ” بالحقرة ” كنتيجة حتمية لعدم توزيع الثروة الوطنية بالعدل خاصة و ان ثروة البلاد تتركز في اغلبها في الجنوب و غياب سياسة التوازن الجهوي في اغلب عشريات الاستقلال .
و المتتبع لسير الاحداث يكتشف ان احداث الجنوب اندلعت مباشرة بعد التدخل الفرنسي في مالي و العلاقة بين الامرين واضحة و لا تتطلب الكثير من البحث و الاستكشاف , ذلك ان الكثير من الشباب البطال و المهمش في الجنوب اضطرته ظروف التهميش و عدم الاهتمام الى ممارسة التهريب و التجارة غير المشروعة . و في السنوات الاخيرة , و بسبب عسر الحياة و غلاء المعيشة و غياب الوازع الديني من المنظومة التربوية و انسحاب الجيل الكبير الذي كان يمارس في يوم ما دور الموجه و المراقب و حتى الضارب على يد المنحرفين , من الحياة , اتجه هؤلاء الى تهريب و تجارة المخدرات و حتى جلب السلاح من اقاصي الصحراء, و بشكل خاص من ليبيا بعد الاحداث التي عرفتها في العامين الماضيين .
و قد كانت معظم سلع التهريب المشروعة و غير المشروعة تتم على طول حدودنا الجنوبية حيث يظهر جليا هزل ضبط الحدود وضعف سيطرة دول افريقيا , و حتى الدول المغاربية على الحدود الشرقية و الغربية .
و ما ان تدخلت فرنسا في مالي و اعطت اوامرها للدول المغاربية الواقعة في النصف الغربي للمغرب العربي حتى تم الضغط على هؤلاء المهربين , خاصة بعد تشديد الجيش الجزائري قبضته على الحدود مع مالي , بحيث انقطع رزقهم المتأتي اصلا من التهريب فساءت احوالهم و عادوا ليسألوا انفسهم عن الخير الذي يحويه الجنوب و الذي لم يجدوا سبيلا للاستفادة منه إلا بالاحتجاج و تنبيه المسؤولين المفرطين . و هذه هي التداعيات التي لم يحسب لها حسابها لا في السياسة و لا في الاقتصاد و لا على المستوى الاجتماعي .
و لعل سياسة التركيز في معالجة المشكلات الامنية فقط على الحلول الامنية فقط هي ما اوصل الوضع الى ما لا تحمد عقباه . و اذا كان الحل الامني قد بدا صالحا و ربما ضروريا في بعض الفترات فالأمر يختلف في اغلب الفترات ذلك ان القائمين على الحل و الربط في البلاد لو ركزوا مشاريع التنمية على طول حدودنا الشرقية و الجنوبية و الغربية ووفروا للناس المحاذين للحدود العيش الكريم و لو ادمجوا شباب هذه المناطق في تنظيمات امنية ترعى حدود البلاد و العباد بشكل تمتص فيه اليد العاملة و يقضى فيه على البطالة , لكان الحال افضل بكثير و لحلت الكثير من المشكلات .
المشكلة ان ابواب العيش الكريم سدت في اوجه شباب و كهول هذه المناطق المحرومة , و في الوقت الذي كان من المفروض ان تحضر فيه استراتيجية دولة تملك المال و الرؤية البعيدة المدى ترك الامر لحلول تكتيكية لولاة و لرؤساء بلديات اغلبهم لم ينتخبهم الشعب و اغلبهم لا يملكون حتى الرؤية لتسيير بيوتهم و للحفاظ على حرمات زوجاتهم فما بالك بحرمة الاوطان و البلدان .
و مما يلاحظ ايضا ان سياسة الترقيع لازالت مستمرة رغم الاحداث التي عرفتها بلدان جيراننا , بحيث تعطي انطباعا بأنها مقصودة و متعمدة و إلا كيف نفسر الاستجابة الظرفية غير المدروسة و غير المحسوبة لعشرات الالاف من طلبات العمل في الجنوب بحيث صارت وسائل الاعلام الرسمية و غير الرسمية , تطالعنا يوميا منذ تفجر الازمة باستجابة الحكومة لسيل كبير من طلبات العمل و هو ما يعني ان اقحام الحلول الظرفية , و التي تهدف بالأساس الى سياسة صناعة الصمت المؤقت , اعطى و لازال يعطي الانطباع بان الدولة في موقف ضعف يتوجب فيه ابتزازها بشكل اكبر . كما انه خلق انطباعا اخر يتمثل في انه قد يضحى بلحية النفط مقابل الحفاظ على رأسه . و هي تأويلات و تفسيرات قد تسيء كثيرا للدولة الجزائرية التي تملك الحلول الجذرية لو اراد مسؤولوها ذلك بإخلاص .
ان غياب , او بالأحرى تغييب سياسة التخطيط و انتهاج سياسات عشوائية لا تقدم و لا تتوقع الحلول للمشكلات قبل حدوثها ,هي التي خلقت و دفعت مشكلة الجنوب الى الظهور . و يا ليت الامر يتوقف هنا بل ما هذه إلا بداية قد تشكل كرة ثلج تبدأ صغيرة و لكنها ستكبر ما لم نوقف تدحرجها من عل .
و لعل المغالطة الكبرى فيما يتعلق بالجنوب هي اعتماد السلطة على تقارير و مشورات و ربما نصائح لأشخاص و منظمات المجتمع المدني صنعها النظام بنفسه و تدعي انها تمثل سكان الجنوب و هي لا تمثل في الواقع الا نفسها و لا علاقة لها بمطالب الجنوب و لا بمشكلاته و تعقيداته . و امر كهذا يزيد في توسيع الفجوة بين السلطة و الشعب . بحيث يصير الامر اثناء اي حوار او نقاش يعبر عن محاورة النظام لنفسه بعيدا عن التمثيل الحقيقي و التفهم الفعلي لمطالب الجنوب .
ان الجنوب بثرواته الكبيرة التي تعيش منها كل الجزائر يتوجب وضع استراتيجية شاملة تراعي كل الجوانب النفسية و الاجتماعية و الاقتصادية لسكانه فعلى الجانب السياسي يتوجب خلق وزارة كاملة تدعى ” وزارة الجنوب ” تكون هي همزة الوصل بين السلطة في الشمال و السكان في الجنوب و تتكفل بمتابعة و اقتراح مشاريع التنمية في شكلها العام بل و اكثر من ذلك ستكون من خلال خلاياها و هيئاتها تشرف اشرافا تاما على الجانب الامني اذ لا احد يعرف متاهات الصحاري و تعقيدات البيئة الصحراوية سوى اهلها و العارفين بها .
الامر الاخر هو ان تعيد السلطة حساباتها فيما يتعلق بتمثيل سكان الجنوب تمثيلا حقيقيا من المثقفين و الاعيان و اصحاب الكلمة العالية في اوساط الشباب . و يكفي ذلك بكسب الثقة و الاطمئنان الى الوعود التي تقدم حتى و لو تكن شحيحة في بعض الاحيان او تعبر عن الحقيقة المرة , ذلك ان قول الحقيقة فيما يتعلق بالشغل او بأي امر اخر خير من الوعود غير القابلة للتحقيق او التسويفات المضيعة للوقت .
و مهما قيل عن آلاف مناصب شغل لشباب الجنوب التي تتباهى بها وسائل الاعلام العمومية فان لذلك تداعيات سيئة , ذلك ان توفير هذا الكم الهائل من مناصب الشغل بجرة قلم و في يوم واحد يثير الاستغراب و هذا الامر يحمل ضمنيا مفهوم البطالة المقنعة التي كنا نلوم فيها السلطة ايام الاشتراكية حيث يعمل مائة عامل و يتقاسمون الارباح مع الف آخرين لا يعملون . و ان ما ينتج عن ذلك في المؤسسات و الشركات البترولية التي اجبرت بقرار سياسي على ادماج هؤلاء في عالم الشغل لديها ان تكلفهم بأشغال هامشية يكون افضلهم فيها سائق شاحنة او دليل طريق لاسترجاع الضائعين في الصحراء .
المشكل ان الكثير من مسؤولينا فهموا ان شباب الجنوب انما يجب ان يوظف في الشركات البترولية و الحقيقة ان البطال لا يهمه اين يعمل بقدر ما يهمه ان يعيش عيشا كريما يحفظ له ماء وجهه و يكفيه شر البطالة و سوء الحال , اقصد بإمكان وزارة الفلاحة بعث تنمية فلاحية كبيرة في الجنوب و التجارب كثيرة و ماثلة للعيان خاصة تجربة الخضر و الحبوب . ما المانع من اقامة مصانع في بسكرة و في ادرار لتعليب و تكييف الطماطم بحيث تشغل الالاف سواء في المزارع او في تلك المصانع . ما المانع من توزيع الاراضي الفلاحية الشاسعة و توزيعها بالمجان على من يريد العمل في مجال الفلاحة و تزويدهم بالعتاد الفلاحي اللازم و تشجيعهم بالكثير من المحفزات .
ما المانع من اقامة و انشاء مدن عصرية جديدة بين المدن الصحراوية الحالية و تمنح فيها اراضي البناء مجانا بحيث لما تزدهر تلك المدن ستقرب المسافات و توفر الكثير من الخدمات و تقضي على عزلة بعض المناطق . و تخيلوا كم منصبا للشغل ستوفره عملية انشاء اربعين مدينة جديدة لشبابنا في الجنوب
ما المانع من خلق وكالات سياحية متطورة في كل الجنوب و مدها بالاستشارات و الخبرات المختصة قد يدمج فيها حتى المستثمر الاجنبي الخاضع للمراقبة الامنية . ما المانع من بعث استثمار حقيقي في الثروات الباطنية في الجنوب و هي كثيرة و متنوعة و على رأسها مناجم الذهب في منطقة الهقار . نعم بالإمكان بعث استثمار حقيقي في الجنوب و كل الشروط متوفرة و على رأسها عنصر التمويل , ذلك ان البحبوحة التي تعيشها الجزائر توفر لها فرصة ثمينة للاستثمار لا تقدر بثمن . و اعتقد ان لا شيء صعب انما الصعب ايجاد رجال مخلصين يملكون سلطة القرار فقط .
ما المانع من بناء مستشفيات كبيرة تحوي اغلب اختصاصات الامراض المعروفة في ورقلة و بشار و تمنراست و استقدام اطباء و جراحين اجانب , ان ترفع اطباء الشمال عن العمل في الجنوب , و اعتقد ان الصيني او الامريكي او الفرنسي الذي يتحمل حر مناخ الجنوب و حر مداخن البترول بإمكانه معالجة اهلنا في الجنوب ماداموا يبحثون عن المال فقط , و تخفيف عبء التنقل الى مستشفيات في الشمال هي في حاجة الى من يداويها و يكفي ان اقساما في مستشفى مصطفى باشا لا تحوي اسرة للأمهات المرافقات لأبنائهن المرضى و ان وجبات العار رغم عارها لا تقدم للمرضى في قسم جراحة الاطفال .
ان الاشارة الى امكانية تشغيل شباب الجنوب في هذه القطاعات لا يلغي البتة احقيتهم و اولويتهم في الشركات البترولية خاصة منها الجزائرية اذ لا يعقل ابدا ان يحرم هؤلاء من العمل حسب المؤهلات لمجرد انهم ليسوا من الشمال . و للحقيقة فان المناطق التي يستقدم منها مستخدموا سوناطراك من الدرجات الدنيا الى الدرجات العليا لا تقبل ان يشتغل في مؤسساتها اي شخص يكاد يكون من خارج المنطقة .
و هناك عامل يعرقل من خلاله مسؤولو سوناطراك توظيف شباب الجنوب و هو اشتراط اجادتهم للفرنسية و الانجليزية و هو في الحقيقة شرط تعجيزي لا اقل و لا اكثر , ذلك ان الاشتغال في الحفارات او ورشات التلحيم او السياقة او الحراسة و الطهي لا تتطلب اجادة اللغات بقدر ما تتطلب الكفاءة و المؤهل التكويني . و حتى و ان افترضنا ان عدم اجادة اللغات الاجنبية عيب فمن حق اهل الجنوب ان يتساءلوا عن المسؤول عن ضعف تعليم اللغات الاجنبية عندهم . الم يكن لوزارة التربية طيلة السنوات الماضية ان تضع خطة ممنهجة للنهوض بسياسة تعليم اللغات الاجنبية و اعتقد ان الامر سهل بالنسبة للمراكز الثقافية لفرنسا و الولايات المتحدة و بريطانيا و حتى بالنسبة للصينيين و اليابانيين و الالمان مادامت دولهم تحترم لغاتها و تعتز بثقافاتها و تعمل على نشرها و لو في ادغال افريقيا .
ان حلول الترقيع كتوظيف الالاف من شباب الجنوب في سلك الشرطة و منحهم قروضا بلا فوائد تقديم
بعض الامتيازات كالإعفاء الضريبي ربما او شيئا من هذا القبيل لا يحل المشكلة بتاتا , ذلك ان نية الكثير من مسؤولينا اسكات هؤلاء الى حين دون البحث عن حلول جذرية تتبع بالمراقبة و المتابعة و قبل ذلك بدراسة شاملة و علمية للمشاريع التي يقترحها هؤلاء الشباب . من جهة اخرى ان الكثير من هؤلاء الشباب كانوا منغمسين في عالم التهريب و المخدرات و معروف ان ممارسة هذين النشاطين يدر الكثير من الربح و هو ما يعني كبر بطون هؤلاء و عدم رضاهم عن مداخيل متواضعة او حتى تكون جيدة . و الاكثر من ذلك ان الشاب المدمن على المخدرات لا يؤتمن على القروض الطائلة ذات الطابع السياسي اذ سرعان ما يتبادر الى ذهنه ان قرضا عمره خمس و عشرون عاما لا يمكن ان يرد و بالتالي يميل اكثر الى صرفه و العبث به يمينا و شمالا في مصروفات حياتية وهمية و غير منتجة .
و في المقابل قد ينجح الشباب العقلاء الذين يعرفون قيمة العمل و يبحثون عن الرزق الحلال لكن الاجراءات البيروقراطية في الادارة و البنوك تحرم دائما هؤلاء الباحثين عن النجاح , و ما يحدث مع ملفات الاستثمار خير دليل على ذلك . و النتيجة الحتمية ان يقضي هؤلاء على مستحقات القروض و العودة بعد عام او عامين للاحتجاج ثانية خاصة و ان ابتزاز الدولة بسبب ضعف القائمين عليها و بروز الخلل في سياساتهم قد صار واقعا و مفهوما لدى هؤلاء المحتجين .
و لعل حل توظيف اثنا عشر الفا من الشباب في سلك الشرطة سيخلق فتنة كبيرة بين ابناء الجنوب ذلك ان توظيف هذا الكم الهائل قد يفهم منه انما لردع باقي الشباب المحتج باستخدام شباب مثلهم كان يحتج معهم بالأمس ا لقريب .
و مهما يكن من امر فالعيب ليس في هؤلاء البطالين و لا في مطالبهم المشروعة و لا في صبر اهل الجنوب و انتظارهم الطويل و لكن العيب في سياسيينا الذين اوصلوا البلاد و العباد الى هذا الوضع المأساوي رغم الخيرات الكبيرة التي يتمتع جنوبنا الكبير و تتمتع بها الجزائر كلها .
و يبدو من خلال بعض الممارسات البوليسية المعلن عنها هذا الاسبوع ان البعض يريد من مشكلة مجرد الاحتجاج على البطالة ان تتطور و تتدحرج لتصل لا قدر الله الى مطالب اخرى قد نجد انفسنا وقتها اننا امام امر واقع خاصة و ان شرارة ما صار يعرف باحداث الربيع العربي كانت في بداياتها مجرد احتجاج قوبل بسلوك غير متحضر صعب فيما بعد و عسر امر معالجته ليتطور الامر الى ما رايناه و سمعناه ولازلنا نعيش فصوله .
و تبقى الحكمة و التعقل و السياسة الراشدة هي وحدها مصطلحات يصلح تداولها بل يتوجب تداولها كلما تعلق الامر بمشكلة تمر بها الجزائر ليس في جنوبها فقط بل في كل ربوعها .
*** في حقيقة الآمر أعجبني هذا الموضوع الذي يهم اصحاب الصحراء بصفة خاصة دون غيرهم لكي يفيقوا ويستفيقوا من سباتهم العميق…أقول وبالله التوفيق أخي عباس أن أهل الصحراء طيبون للغاية والناس من الشمال فسروا هذه الطيبة على انها سذاجة ولكن في حقيقة الأمر انها مروءة وأخلاق عالية..لا يوجد بالصحراء لا معامل ولا مؤسسات إنتاج ولا حتى شيء يذكر غير الشركات البترولية التي إستولى عنها اهالي الشمال بحكم وجود المعاهد التي يتخرج منها الإطارات هي متمركزة في الشمال وأن أغلب أهل الصحراء لا يتمكنون منها بحكم العراقيل البيروقاطية…ولذا تجد اهالي الصحراء يعملون منهم المحظوظون بالشركات في مناصب تافهة كمنظف ومنظفة وكطاهي للقهوة والشاي وكسائق…ومن حق سلال أن يقول عنا بأننا شرذمة قليلون في عهد – طاب جنانو – المتغني بالعزة والكرامة في كل نادي…علما ان اهل الصحراء مقصيون منذ الإستقلال من المناصب الحساسة ..ونحن أهالي الصحراء ذبحنا يوم ذبح – العقيد شعباني رحمه الله- بتهمة مزورة…لكن مع من نتكلم ونتحاج أمع سلال وامثاله والمتسلقين الى سدة الحكم عن طريق الغش والتزوير والتدليس ….هؤلاء هم الشرذمة القليلون والذين يجب ان يرحلوا من الجزائر الى مزبلة التاريخ….ويا ترى – طاب جنانو – لما مرض الى أين ذهب ؟ فالطبع ذهب الى امه فرنسا الحنون التي مرغ أهلها رأس الشهب الجزائري في الوحل طيلة قرن وربع..في وزارة الدفاع الفرنسي وبمشفاها المحترتم….أين مال الجزائر الذي لم يستطع شراء الجهزة المتطورة واليد العاملة الكفِأة ؟ هل بخس ورخس…فالمجال في هذا المقال لا ينتهي…شكرا
بقلم : عباس بومامي ..منقول من مجلة اصوات الشمال